منذ اكثر من خمسة عقود وفي 23 مارس من كل عام تحتفل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) باليوم العالمي للأرصاد الجوية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية هي احدى الوكالات الحكومية الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ، والتي تمثل صوت منظومة الأمم المتحدة ذو الحجة العلمية بخصوص حالة وسلوك الغلاف الجوي للأرض وتفاعله مع الأراضي والمحيطات، وما ينتج عن ذلك التفاعل على الطقس والمناخ، ويشاركها هذا الاحتفال الكبير المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا في 191 دولة عضواً في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ضمنها دولة الكويت ، والاحتفال باليوم العالمي للأرصاد الجوية كل عام يأتي احياءً لذكرى دخول اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حيز التنفيذ في 23 مارس 1950عوضاً عن المنظمة الدولية للأرصاد الجوية التي أنشئت في عام 1873 ، وتجدر الإشارة الى أن المجلس التنفيذي للمنظمة (WMO) بدأ منذ عام 1960 في الاحتفال باليوم العالمي للأرصاد الجوية لإذكاء وعي الجمهور للخدمات التي تقدمها المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والمنظمة (WMO) .
وقد سعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الى التركيز عادة في الاحتفالات باليوم العالمي للأرصاد الجوية كل عام على موضوع يُلقى الضوء على أحد الأنشطة التي تمارسها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لخدمة البشرية يختاره ويعتمده المجلس التنفيذي للمنظمة ، وقد تم اختيار موضوع عام 2016 بعنوان " عالم أشد حرارة وجفافاً وأمطاراً : مواجهة المستقبل" ، وتم اختيار هذا الموضوع على وجه الخصوص لتذكير المجتمع الدولي بالإحترار العالمي المستمر لكوكب الأرض ، حيث تبين ان كل عقد من العقود القليلة الماضية أحر من العقد السابق له ، وكانت الفترة من 2011 الى 2015 من أسخن الفترات المسجلة، كما تميز عام 2015 بكونه أحر عام منذ بدء عمليات الرصد الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر، كما يوجه هذا الموضوع ايضاً الانظار الى الدور الحيوي الذي تؤديه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والشبكة العالمية المؤلفة من المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا - وضمنها إدارة الأرصاد الجوية الكويتية - في توفير الرصدات العلمية والخدمات المناخية البحثية والتشغيلية التي سيحتاجها المجتمع لمواجهة المستقبل، فإن ذلك يساهم في إعداد معلومات وخدمات مناخية متزايدة الأهمية لدعم القدرة على مقاومة المناخ والتكيف معه والتخفيف من آثاره ، لكن ارتفاع درجات الحرارة ليس إلا جزءاً من القضية، فتغير المناخ يعرقل أيضاً النسق الطبيعي للمواسم ويزيد وتيرة وشدة بعض الظواهر الجوية المتطرفة، مثل موجات الحرارة والجفاف والأمطار الغزيرة ، وهذه التغيرات المستمرة تنبئ بمستقبل أكثر حرارة وجفافاً ومطراً .
صرح بذلك السيد / خالد مبارك الشعيبي نائب مدير عام الطيران المدني وكيل الوزارة المساعد لشئون خدمات الملاحة الجوية والممثل الدائم لدولة الكويت لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) ، وأكد بان المناخ يتغير، وان ذلك ليس مجرد تصور مستقبلي ولكن أمر نشهده اليوم ، وسيستمر المناخ في التغير طوال العقود المقبلة نظراً إلى تزايد تركيز غازات الاحتباس الحراري - واهمها غاز ثاني اكسيد الكربون - والمنبعثة في الغلاف الجوي نتيجة للأنشطة البشرية ، فقد بلغ تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي أرقاماً قياسية مرتفعة جديدة في 2015 ، فتجاوز تركيز ثاني أكسيد الكربون الحد الرمزي البالغ 400 جزء في المليون خلال فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي مقارنة بمستواه البالغ 280 جزءاً في المليون قبل عصر الثورة الصناعية، ويُتوقع أن يتجاوز المتوسط العالمي لتركيز ثاني أكسيد الكربون هذا الحد خلال عام 2016 ، وبلغت أيضاً درجات الحرارة العالمية حداً رمزياً كبيراً، إذ حطم متوسط درجة الحرارة العالمية للهواء فوق سطح الأرض عام 2015 كافة الأرقام القياسية السابقة بفارق كبير قدره درجة مئوية واحدة تقريباً قياساً بفترة ما قبل عصر الثورة الصناعية.
ان الانبعاثات السابقة تقضي على كوكب الأرض بمزيد من الاحترار لأن ثاني أكسيد الكربون يبقى في الغلاف الجوي لقرون طويلة، ولأن المحيطات تخزن ما يربو على 90 في المائة من الطاقة الزائدة المتراكمة في نظام المناخ ، مما يؤدي إلى استمر ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك ارتفاع مستويات سطح البحر نتيجة ذوبان الجليد ، الحقيقة أن المحتوى الحراري المخزون في المحيطات قد بلغ الآن مستوى قياسياً مرتفعاً، وفي إطار الاتجاه المضطرد للاحترار العالمي، أبلغت كثير من البلدان عن زيادات كبيرة غير مسبوقة في درجات الحرارة النهارية القصوى والليلية الصغرى على السواء، وكذلك عن زيادة موجات الحرارة الشديدة. كما نشاهد حالات جفاف كبرى في بعض أنحاء العالم. وفي الوقت ذاته، أصبحت العواصف المطرية الغزيرة، التي لا نشهدها إلا "مرة كل جيل"، أكثر تواتراً. وهذا ما نراه جليا من تأثير التغير المناخي الذي يخلق اضطرابا في نسق وطبيعة المناخ المعتاد. وقد شهدت بعض الدول مؤخرا ومنها دول الخليج العربي تساقط كميات كبيرة احيانا من الثلوج لم نعتاد عليها سابقا.
ومما يبعث على التفاؤل أن دول العالم أصبحت الآن على اقتناع تام بالأدلة العلمية على تغير المناخ ، وبضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة ، ففي باريس وبمشاركة ممثلي 195 دولة ضمنهم دولة الكويت وخلال ديسمبر 2015 اعتمدت الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ اتفاقاً تاريخياً لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري التى تهدد كوكب الأرض بكوارث مناخية ، وينص هذا الاتفاق على إجراء تخفيضات حثيثة وكبيرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ، كما أن هذا الاتفاق التاريخي يلزم البلدان كافة ببذل جهود طموحة لمواجهة تهديد تغير المناخ المحدق على أساس "مسؤولياتها المشتركة ولكن المتباينة". ويتناول الاتفاق أيضاً مسائل تقديم دعم مالي للبلدان النامية، والقدرة على مقاومة تغير المناخ والتكيف معه، والحد من الخسائر والأضرار، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والتعليم، والتدريب، والوعي العام .
إن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) ملتزمة بالإسهام في هذه الجهود ، فهي تشارك في رعاية واستضافة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التي توفر تقاريرها التقييمية المنتظمة والتي تُمثل أساساً متيناً لاتخاذ إجراءات تتعلق بالسياسات المتبعة فيما يتعلق بتغير المناخ ، كما أن المنظمة (WMO) الراعي المشارك الرئيسي والجهة المضيفة للنظام العالمي لرصد المناخ (GCOS) والبرنامج العالمي للبحوث المناخية (WCRP). هذا وتعمل شبكة المنظمة (WMO) المؤلفة من المراكز المناخية الإقليمية (RCCs) ومنتديات التوقعات المناخية على بناء القدرات على الصعيدين الوطني والإقليمي. وتعتزم المنظمة (WMO) إنشاء نظام متكامل لمراقبة غازات الاحتباس الحراري لاطلاع متخذي القرارات على التقدم المحرز في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتتعاون المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا (NMHSs) هي أيضاً وشركاؤها من خلال المنظمة (WMO) في تنفيذ الإطار العالمي للخدمات المناخية (GFCS) ، فالخدمات المناخية تترجم المعارف العلمية إلى أنشطة عملية من أجل مقاومة تغير المناخ والتكيف معه والتخفيف من آثاره ، ونظراً إلى أن تغير المناخ يشكل تحدياً جوهرياً للبشرية، فإن الأمم المتحدة قد أدرجته في أهدافها الإنمائية المستدامة التي ستوجه جدول الأعمال العالمي حتى عام 2030 ، لتمكين المجتمع الدولي من اتخاذ الإجراءات على أساس المعارف العلمية المتوافرة والاستناد إلى الإرادة السياسية المتنامية والدعم العام، مما يساهم في بناء عالم مستدام بيئياً ومزدهر اقتصادياً .
واضاف السيد / خالد الشعيبي بانه قد تم البدء في تسجيل درجات الحرارة بإدارة الأرصاد الجوية في دولة الكويت منذ عام 1962 ، واعلى درجة حرارة منذ هذا التاريخ تم تسجيلها حتى الآن في دولة الكويت كانت خلال صيف عام 2012 حيث بلغت 53.6 درجه مئوية ، بينما بلغت اعلى درجة حرارة تم تسجيلها خلال عام 2015 هي 51.5 درجه مئوية ، وتقوم إدارة الأرصاد الجوية بدولة الكويت الآن بدورها الدولي والإقليمي والوطني في مراقبة الطقس وتغير المناخ من خلال 27 محطة رصد جوي سطحية حديثه اوتوماتيكية متعددة المهام منتشرة في انحاء دولة الكويت فهذه المحطات تعمل ضمن الشبكة الدولية للمحطات بأشراف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) وتقوم هذه المحطات كل ساعة بنشر بيانات الأرصاد الجوية السطحية على المستويين الوطني والدولي، الى جانب بيانات ومعلومات مناخية عن دولة الكويت ، وتوجد ايضاً محطات بحرية ومحطات لقياس كمية الأوزون السطحية والعلوية وكذلك قياس الإشعاع النووي .
إن إدارة الأرصاد الجوية بدولة الكويت تدعم المنظومة العالمية في مراقبة الطقس وتغير المناخ، باسهاماتها الدولية للبيانات والمعلومات المناخية علاوة على ذلك فإن إدارة الأرصاد الجوية بدولة الكويت تقوم بتحديث البرامج الخاصة بالمناخ والتوقعات الموسمية والمستقبلية من خلال برامج التوقع المناخي لدولة الكويت بصفة خاصة والمنطقة بصفه عامة، وعقد الدورات التدريبية وحلقات العمل بشكل دوري في هذا المجال طبقاً لتعليمات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ، كذلك فقد تم إدخال نظام جديد لرصد البيانات والمعلومات المناخية وتجميعها وأرسالها آلياً لتحفظ في أجهزة الحاسوب الخاصة بإدارة الأرصاد الجوية مما يُمكن من التدقيق الفوري للبيانات والمعلومات المناخية حسب نظام إدارة الجودة QMS التي تطبقها إدارة الأرصاد الجوية منذ حصولها علي شهادة الايزو ( ISO -9001 :2008 ) في منتصف عام 2013 ، والى جانب ذلك فقد تم استحداث برنامج حاسوب لاستخراج بيانات ومعلومات مناخية خاصة وذلك لتطوير المنتجات المناخية المقدمة للمستخدمين ، وعلى المستوى الوطني فتشارك الإدارة العامة للطيران المدني ممثلة بادارة الأرصاد الجوية باثنين من خبراء إدارة الأرصاد الجوية في اللجنة الوطنية لتغير المناخ التابعة للهيئة العامة للبيئة ، حيث شاركا في عام 2012 في إعداد البلاغ الوطني الأول لدولة الكويت وتقديمه لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ ، وتساهم إدارة الأرصاد الجوية كذلك مع الهيئة العامة للبيئة لوضع استراتيجية وبرامج للعمل الوطني لمكافحة التصحر، وبذلك فإن ادارة الأرصاد الجوية بدولة الكويت تساهم في توفير الرصدات والبيانات المناخية الموثوقة التي سيحتاجها المجتمع العالمي لمواجهة المستقبل .
والله الموفق
خالد مبارك الشعيبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق